لماذا نؤمن بنظريات المؤامرة؟

يوجد العديد من المحاولات العلمية الواضحة التي انتشرت مؤخرًا من أجل فهم نظريات المؤامرة، وحتى يتسنّى فهمها؛ فلا بدّ من معرفة العوامل المرتبطة بالاعتقاد بنظريات المؤامرة، وكيف يتم تشاركها وانتشارها بين الأفراد وفي الأوساط المجتمعية، بالإضافة إلى التعرّف على آثار ومخاطر الإيمان بهذه النظريات على المجتمعات.^[١]

ما هي نظريات المؤامرة؟

تعرف نظرية المؤامرة (Conspiracy theory) على أنها محاولة لشرح الأحداث المؤذية أو الكارثية التي حدثت على أنها نتيجة قيام مجموعة من الأشخاص قوية التأثير بالعديد من الأعمال، والتي تزداد انتشاراً بشكل خاصّ في مراحل الشعور بالشك، أو القلق، أو مواجهة الصعاب، بحيث ترفض هذ النظريات الأسباب والتفسيرات الحقيقية لتلك الأحداث، بل على العكس يمكن أن تعتبرها واحداً من أدلة المؤامرة، ومن الجدير بالذكر أنَّ الأدلة المستند لها في إثبات نظريات المؤامرة ضعيفة في العادة.^[٢]

لماذا يصدق الناس نظريات المؤامرة؟

هناك مجموعة من الدوافع التي تؤدي إلى تصديق الأفراد لهذه النظريات والإيمان بها، وغالباً ما ترتبط بمجموعة من العوامل الاجتماعية والنفسية والسياسية،^[١] ومن أبرزها ما يلي:

الحاجة إلى الفهم

يحاول العقل البشري دائماً تشكيل أنماطٍ معينة لفهم وتبرير الأحداث التي تجري في بيئته المحيطة، وفهم الأحداث العشوائية في العالم أيضًا، حيث يضع تفسيراتٍ سببية للأحداث والسلوكيات من حوله، لذلك؛ من المنطق أن تكون نظريات المؤامرة أمراً محتملاً بنسبة أكبر عندما يكون هناك نقصٌ أو تناقضٌ في المعلومات حول موضوعٍ معيّن، ويكثر انتشار مثل هذه النظريات عندما يتمُّ تقديم تفسيراتٍ سطحيةٍ إلى حدّ ما أو غير مكتملة ودقيقة لعامة الناس في حدث يكون هامّاً لنسبةٍ كبيرة منهم.^[٣]

الحاجة إلى التحكُّم

تمنح نظريات المؤامرة طريقة للناس تشعرهم بالأمان وبأن لديهم نوع من الاستقلالية أو السيطرة بطريقة عشوائية، تحديدًا إلى أولئك الذين يشعرون وكأنهم غير قادرين على التنبؤ بنتائج ظرف معين، بحيث يدفعهم هذا إلى اللجوء والاعتماد على نظريات المؤامرة من أجل تفسير الأحداث.^[٣]

الحاجة إلى الانتماء

يمكن أن يؤمن الفرد بنظريات المؤامرة بشكلٍ إدمانيّ لأنها تشكّل آلية دفاع بالنسبة له، خاصةّ إن كان يشعر بعدم الثقة في السلطة، أو بالحقد على المجتمع أو الانفصال عنه، وعدم الثقة بالنفس، فتجد مثل هذه النظريات تنتشر بين الأوساط التي تشعر بالانتماء لبعضهم البعض، لأن البشر بطبيعتهم دائمو البحث عمّن يشبههم ليشعروا بالارتباط بهم، فتشعر هذه المجموعة وكأنها عائلة، وبأن هذه النظريات هي أساس لرابطتها.^[٣][٤]

مراحل تصديق نظرية المؤامرة

يبدأ تصديق نظرية المؤامرة من حالة يطلق عليها اسم الاستدلال المحفز (Motivated reasoning)، هو عبارة عن ظاهرة نفسية تصف كيفية اعتماد الناس في تقييمها وإيمانها بالمعتقدات بناءً على العمليات الإدراكية والمعرفية التي يقومون بها بشكلٍ متحيزٍ تجاه الدوافع، أو تصوُّراتهم لقضية ما حيث يكون في الغالب هذا الدافع هو العامل الذي يحدد طريقة تفكيرهم وتحليلهم لأي معلومات جديدة يعرفون بها، كما يصف أيضًا كيفية قيامهم بتحديد الأسباب وإلقاء اللوم، ويحدث هذا الاستدلال المحفّز من خلال ثلاث عمليات أساسية، وهي كالتالي:^[٥]

• تحيز عدم التأكيد: (Disconfirmation Bias)، بحيث يقضي الشخص المزيد من الوقت، ويبذل جهداً أكبر في تشويه ومقاومة الآراء والحجج التي تعارض رأيه.
• التحيز التأكيدي أو الاستيعاب المتحيز: (Confirmation Bias or Biased Assimilation)، حيث يبحث الشخص في العادة عن المعلومات التي تتوافق مع معتقداته المسبقة، بينما يتعمّد تجنُّب المعلومات التي لا تتوافق مع معتقداته، أو يمكن أن تتحدى ما يؤمن به.
• التحيز للمواقف المتطابقة: (Attitude-congruence bias)، يرى الأشخاص بأن الحجج التي يتبناها أصحاب المواقف الداعمة لموقفهم في قضية ما، أقوى من تلك الموجودة لدى الطرف المعارض.

آثار الإيمان بنظريات المؤامرة

يترتب على إيمان الأفراد بنظريات المؤامرة العديد من الآثار التي تنعكس على المجتمعات، ومن أبرز هذه الآثار ما يلي:^[٦]

• ارتباط نظريات المؤامرة بالمواقف السلبية فيما يخص العلاقات بين المجموعات المتضادة في الآراء، الأمر الذي قد يكون له آثاراً ضارة في مستويات واسعة.
• تغيُّر المواقف، مما يؤدي إلى القيام بأعمال أكثر تطرفاً، فمثلاً قد تمَّ ربط نظريات المؤامرة أحيانًا بأعمال سياسية غير معيارية؛ مثل القيام بأعمال غير قانونية مثل احتلال المباني.
• التأثير في درجات الوعي وإنكار العلم؛ فقد تم ربط معتقدات المؤامرة بالمواقف السلبية حول الكثير من الأمور، التي قد يؤدي الإيمان بها في مثل هذه الحالات إلى تعريض الصحة للعديد من المخاطر، مثل المطاعيم، معتقدات حول وباء فيروس كورونا (COVID-19)، وغيرها، ويمكن أن تتواجد نظريات المؤامرة في مكان العمل، حيث يكون الاعتقاد بها بهذه الحالة مرتبطًا بوجود نوايا للانقلاب على نظام العمل.

التمييز بين نظريات المؤامرة عن غيرها

يوجد مجموعة من الخصائص المتعلقة بنظريات المؤامرة، والتي تساعد على تمييزها عن غيرها، ومن أبرزها ما يأتي:^[٧]

• الاقتناع بأن هناك أمورًا تحدث بالخفاء.
• اعتقاد الأفراد بأنهم ضحايا.
• إطلاق الأحكام حول ما هو خير أو ما هو شر.
• وجود دليل لدى الأفراد يدّعون أنه يدعَم نظرية المؤامرة.
• تواجد مجموعة من الأفراد التي تتبنى هذه النظرية.
• الادعاء بأن لا شيء يحدث بالصدفة وبأن الأحداث لا تكون كما هي ظاهرة فقط بل أنها متصلة بطريقة ما.

أسئلة شائعة

نذكر فيما يأتي بعضاً من الأسئلة الشائعة حول نظريات المؤامرة

لماذا ينشر الناس نظريات المؤامرة؟

هناك أسباباً مختلفة لنشر الناس لنظريات المؤامرة، كاعتقادهم بأنها صحيحة، أو لغايات استفزاز الآخرين، أو التلاعب بهم، أو من أجل أهداف مالية أو سياسية.^[٧]

كيف نحمي أنفسنا من نظريات المؤامرة؟

يمكننا القيام بمجموعة من الأمور المهمة لحماية أنفسنا من المعلومات المضللة، وتجنب تبنّي نظريات المؤامرة، ومنها ما يلي:^[٨]

• ابحث دائماً من أجل تصحيح المعلومات المضللة، ولمنع انتشارها.
• اربط بالمواقف والحالات السابقة المشابهة والمقارنة بينها حيث يعد ذلك أمراً فعالاً.
• اعتماد تقديم الأدلة والحقائق بدلاً من مجرد إنكار المعلومات ووصفها بالكاذبة أو المضلِّلة.
• احرص على توعية المجتمع حول الاستراتيجيات التي يتبعها أصحاب نظرية المؤامرة في الخداع والترويج لها.
• احرص على توعية الأفراد وتشجيعهم على تحرّي الدقة حول المعلومة، إذ يمكن أن يمنعهم ذلك عن مشاركة الأخبار الزائفة، عن طريق التوضيح لهم حول كيفية انتشارها ما يؤدي إلى تشكيكهم بالمعلومات التي يتلقوها، وبالتالي الرغبة في تحرّي مدى دقّتها.
• تقبّل فكرة التعقيد، ففي الحين الذي تقدّم فيه المؤامرات حلّاً واحداً وبسيطاً، يجب إدراك أنَّ الواقع معقداً أكثر من ذلك، والحوادث تنتج بسبب العديد من العوامل والتفاعلات المعقدة فيما بينها.^[٩]