نواجه خلال مراحل حياتنا المختلفة العديد من المواقف أو العلاقات التي تُسبب لنا الحزن؛ فقد يحزن الأطفال عند انفصال والديهم، أو تحزن الزوجة على وفاة زوجها، أو يحزن المراهق على انتهاء علاقته العاطفية، أو يحزن الشخص عند تلقيه أخبارًا طبية سيئة، وفي عام 1969 وصفت إليزابيث كوبلر روس (Elisabeth Kübler-Ross) خمس مراحل شائعة من الحزن يشار إليها شعبياً باسم "DABDA".[١]


مراحل الحزن الخمسة

كما أسلفنا الذكر تُقسم مراحل الحزن بناءً على تصنيف إليزابيث كوبلر روس إلى خمس مراحل هي الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول، وفيما يلي توضيحًا لكل مرحلة على حدة:[١]



الإنكار

يُعدّ الإنكار (بالإنجليزية: Denial) المرحلة الأولى للحزن، وهو ما يختبره الشخص عند سماعه لأول مرة نبأ خسارة مفاجئة، كما أنه شيء لم يتوقعه أو يتخيله مُسبقًا، فقد يشعر بالصدمة والذهول، ولا يمكنه استيعاب حقيقة أن هذا الأمر يمكن أن يحدث له، مما يؤدي إلى إنكار حقيقة أنه حدث في أي وقت مضى، ويحاول الشخص أيضًا استيعاب ما جرى إلا أن عقله لا يسمح بذلك،[٢] ويُعد الإنكار طريقة مؤقتة وآلية دفاع يستخدمها الشخص للتعامل مع كمية المشاعر الناتجة عن الصدمة والخسارة،[٣] كما أنه وسيلة تساعده على التغلّب على الحزن والنجاة منه، ومن الشائع في هذه المرحلة أن يسأل الشخص نفسه كيف ستستمر حياته في ظل الظروف الجديدة،[١] وفيما يلي ذكرًا لبعض الأمثلة على هذا النوع من الإنكار:[٤]

  • عند مُواجهة وفاة أحد أفراد الأُسرة، فقد يتخيّل الشّخص الحزين بأنّ شخصًا ما سيتصل به ليخبره أن هناك خطأ ولم يحدث شيء في الحقيقة.
  • عند مُواجهة موقف انفصال عن الشّريك، فقد يبدأ الشّخص بإقناع نفسه بأنّ شريكه سيندم قريبًا على إنهاء العِلاقة.
  • عند فُقدان الوظيفة، من المُمكن أن يشعُر الشّخص الحزين بأنّ مُديره السّابق سيعيد له الوظيفة بعد أن يدرك أنه ارتكب خطأً بحقه.


الغضب

في بداية الأمر سيواجه الشخص الحزين ألم خسارته، وقد يشعر بالإحباط والعجز، وفيما بعد ستتحول هذه المشاعر إلى غضب (بالإنجليزية: Anger)، والذي يمكنه توجيهه إما نحو أشخاص آخرين، أو نحو الحياة عامةً،[٣] ويُعد الغضب المرحلة الثانية من الحزن، ويمكن أن يستمر لأيام أو أسابيع أو شهور أو أكثر، وعادةً ما يعاني الشخص من الانفعالات والإحباط التي يمكن أن تظهر بطرق مختلفة، وفيما يلي بعضها:[٥]

  • البكاء.
  • الشعور بالاضطراب والقلق.
  • الشعور بالضعف.
  • الانخراط في أنشطة غير هادفة.
  • الشعور بالوحدة والعزلة عن الآخرين.


المساومة

يُقصد بالمساومة أو المفاوضة (بالإنجليزية: Bargaining) في الحزن أن يطلب الشخص من الله أن يعيد إليه ما فقده مقابل شيء ما، وهذا اعتقاد خاطئ مفاده أنه يمكن للشخص الحزين أن يُصلح الأمور من خلال المساومة، ويُعد هذا الأمر بمثابة أمل زائف للنفس، وتأجيل الشعور باليأس والإحباط، ويعاني الشخص في هذه المرحلة من الضعف والعجز الشديدين،[٢] ويُكثر كذلك من عبارات لو فقط، وماذا لو، وتقديم الوعود في محاولة لاستعادة ما خسره،[٦] وقد يكون الشعور بالذنب أحد المشاعر السائدة في هذه المرحلة، ومن الجدير بالقول إن جميع هذه المشاعر والأفكار شائعة الحدوث، وبقدر ما قد يشعر به الشخص من صعوبة فهذا يساعده على التعافي أثناء مواجهته حقيقة خسارته.[٤]


الاكتئاب

بمجرد أن يبدأ الشخص في فهم خسارته ومدى تأثيرها في حياته يبدأ الحزن، وتشمل علامات الاكتئاب كلًا من البكاء، واضطراب النوم، وفقدان الشهية، والشعور بالإرهاق، والندم، والوحدة، ومن الجدير بالذكر أن هذا الاكتئاب ليس علامة على مرض عقلي، إنما هو الاستجابة المناسبة والطبيعية للخسارة الفادحة، وبقاء الشخص يائسًا في الحزن الشديد، وعادةً ما يبدأ الشخص بسؤال نفسه ما إذا كان هناك أي فائدة من الاستمرار بمفرده، ولماذا يستمر في حياته؟ وغالبًا ما يُنظر إلى الاكتئاب بعد الخسارة على أنه أمر غير طبيعي؛ إذ إنه حالة يجب إصلاحها والتخلّص منها، والسؤال الأول الذي يجب أن يطرحه الشخص على نفسه هو ما إذا كان الموقف الذي يعيشه محبطًا أم لا، ففقدان أحد أفراد الأسرة هو موقف محبط للغاية، والاكتئاب استجابة طبيعية ومناسبة له، بينما عدم الشعور بالاكتئاب في هذه الحالة سيكون أمرًا غير طبيعي ومعتادًا.[٣][٧]


القبول

القبول (بالإنجليزية: Acceptance) هي المرحلة الأخيرة من مراحل الحزن، والتي يتقبل فيها الشخص خسارته،[٨] ويتقبل أنه لن يتمكن من تغيير واقعه، وعلى الرغم من أنه لا يزال يشعر بالحزن، إلا أن بإمكانه المُضي قدمًا في حياته، وغالبًا ما يجد الشخص في هذه المرحلة أنه من الأسهل التحدث عن الخسارة التي مرّ بها دون أن يتأثر كثيرًا كما كان سابقًا، وعلى الرغم من احتمالية الشعور بلحظات من الحزن أو الندم، إلا أن هذه المرحلة تُمثل عادةً القدرة على تقبّل ما حدث والتفكير في الأوقات الجيدة بدلاً من الأفكار الحزينة المرتبطة بالخسارة.[٣][٩]




من المهم أن تتذكر أنه لن يمر جميع الأشخاص بجميع مراحل الحزن السابقة، كما من المُمكن أن يمر الشخص أيضًا بهذه المراحل ولكن في أوقات مختلفة.




المراحل الأخرى المحتملة للحزن

إلى جانب مراحل الحزن الخمسة السابقة، طوّر الطبيب النفسي البريطاني كولين موراي باركس (Colin Murray Parkes) نموذجًا للحزن، وأوضح فيه أن هناك 4 مراحل من الحزن يعاني منها الشخص عن فقدانه أحد أحبته، وهي:[٨]

  • الصدمة: تُعدّ هذه المرحلة الأكثر ارتباطًا بمرحلة الإنكار؛ إذ إن قبول الخسارة فيها أمرًا مستحيلًا، ويشعر الشخص فيها بالارتباك عندما يحاول التعامل مع عواطفه، كما يمكن أن يعاني من مشكلة صحية تؤدي إلى ظهور أعراض جسدية.
  • الحنين والبحث: يبدأ الشخص محاولاته في علاج حزنه عن طريق البحث عن الراحة ليملأ الفراغ الذي تركه أحباؤه؛ وذلك باستعادة الذكريات عبر الصور، والبحث عن إشارات من الشخص للشعور بالارتباط به.
  • اليأس والفوضى: يتساءل الشخص في هذه المرحلة كثيرًا ويشعر بالغضب، ويدرك أن عودة أحبائه أمرًا مستحيلًا، ويمكن أن يواجه صعوبة في فهم أو إيجاد الأمل في مستقبله، كما يبدأ بالانعزال والابتعاد عن الآخرين لمعالجة نفسه.
  • إعادة التنظيم والتعافي: يشعر الشخص بمزيد من الأمل في استعادة حياته السابقة، علمًا أن الحزن أو الشوق لا يختفيان، ومع ذلك يبدأ بالتعافي وإعادة التواصل مع الآخرين للحصول على الدعم.


كم من الوقت تستغرق مراحل الحزن؟

في الواقع يصعُب تحديد المدة التي تستغرقها مراحل الحزن، إذ قد يستغرق الأمر أسابيع أو شهور أو سنوات، ولا يمكن تحديد أو تتبّع مخطط زمني واضح لذلك، إضافةً إلى وجود أيام جيدة وأيام سيئة أيضًا، لذا من الأفضل أن يحدّ الشخص من توقعاته في أن تكون الحياة دومًا جيدة، وأن يكون لطيفًا مع نفسه ويتذكر بأنه في طور التعافي من أزمته.[٦]




إذا حاول الشخص التسريع من عملية تعافيه من الحزن، أو قمع المشاعر الصعبة التي يعاني منها فقد تطول عملية الحزن أكثر.




التأقلم مع الحزن

للأسف لا توجد آلية مُحددة للتعامل مع الحزن؛ فقد يجد الشخص أن بعض الأساليب تعمل بشكلٍ جيد بالنسبة له، بينما لا تساعد الآخرين على الإطلاق، لذا من المهم تجربة أساليب واستراتيجيات مختلفة للعثور على الأنجح بينها، وتتضمن بعض النصائح العامة للتكيّف مع الحزن ما يلي:[٥]

  • التواصل مع الأصدقاء أو العائلة للحصول على الدعم.
  • الإيمان.
  • الانضمام إلى مجموعة دعم.
  • طلب المشورة الفردية.
  • قبول المشاعر والعواطف الفردية.
  • إدراك مسببات الحزن.
  • الإكثار من ممارسة الرياضة، واتّباع نظام غذائي صحي.


كيف أُساعد شخص حزين؟

يمكنك تقديم الدعم لشخصٍ حزين، ومساعدته على تخطي أزمته من خلال إحدى الطرق التالية:

  • كن مستمعًا جيدًا: إنّ الاستماع لشخصٍ حزين أفضل شيء تقدمه له، ويمكنك تشجيعه على التحدّث من خلال طمأنته بأنه لا بأس في الحديث عن مشاعره، واستماعك له سيمنحه قدرًا كبيرًا من الراحة.[١٠]
  • احترم طريقة الشخص في حزنه: لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للحزن، فلكل شخص طريقته الخاصة التي عليك احترامها.[١٠]
  • تقبّل تقلبات مزاجه: عليك أن تعلم بأن الشخص الحزين يعاني من تقلبات عاطفية، فقد يشعر الشخص الذي فقد للتو أحد أفراد أسرته بالرضا في إحدى اللحظات، بينما تغلبه العاطفة في اللحظة التالية، وهو جزء طبيعي من الحزن.[١٠]
  • تجنّب إعطاء النصيحة: من الأفضل تجنّب تقديم الاقتراحات حول ما يجب على الشخص المفجوع أن يفعله وما لا يجب أن يفعله، فعادةً ما تكون هذه النصيحة حسنة النية ولكنها قد تجعل الشخص المفجوع يشعر بالسوء، وعوضًا عن ذلك دع الشخص يعرف أنك تُدرك مدى خسارته وصعوبتها.[١٠]
  • قدّم المساعدة العملية: يمكن أن يتسبب الحزن في إهمال الشخص لاحتياجاته الأساسية، لذا يمكن أن يكون تقديم المساعدة العملية له أمرًا مفيدًا، ويشمل ذلك:[١١]
  • أداء مهامه.
  • تنظيف منزله.
  • تحضير الطعام له.
  • مساعدته على رعاية أطفاله.
  • لا تُقارن تجربتك بتجربته ما لم يكن ذلك مناسبًا: قد يميل بعض الأشخاص إلى مقارنة تجاربهم بتجربة الشخص الحزين في محاولة التعرّف على ألمه وتقديم الدعم، إلا أن القيام بذلك لا يُعد أمرًا ضروريًا، ويمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى إحباط وغضب الشخص الحزين.[١١]


المراجع

  1. ^ أ ب ت Christina Gregory (4/5/2021), "The Five Stages of Grief", Remedy Health Media, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  2. ^ أ ب Jasmine Shaikh (26/3/2021), "What Are the 5 Stages of Grief in Order?", medicinenet, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  3. ^ أ ب ت ث Carol DerSarkissian (9/11/2020), "What Is Normal Grieving, and What Are the Stages of Grief?", webmd, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  4. ^ أ ب Sandra Silva Casabianca (11/2/2021), "Mourning and the 5 Stages of Grief", psychcentral, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  5. ^ أ ب Jenna Fletcher (13/2/2020), "What are the stages of grief?", medicalnewstoday, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  6. ^ أ ب Lisa Bubert (25/3/2021), "The 5 Stages of Grief: Processing Loss Doesn't Happen Overnight", greatist, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  7. "The Five Stages of Grief", grief, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  8. ^ أ ب Jodi Clarke (12/2/2021), "The Five Stages of Grief", verywellmind, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  9. Stephanie Kirby (2/11/2020), "The 7 Stages Of Grief And How They Affect You", betterhelp, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  10. ^ أ ب ت ث "How to Help Someone Who Is Grieving", cancercare, 1/7/2018, Retrieved 15/7/2021. Edited.
  11. ^ أ ب Camille Renzoni (7/1/2021), "How to Help a Grieving Friend", therecoveryvillage, Retrieved 15/7/2021. Edited.