تشعر الكثير من الأمهات بتقلبات كبيرة في المزاج وبالإرهاق بعد الولادة، بينما يُعتقد بأنه يجدر بهنّ الشعور بالسعادة والفخر تجاه إنجاب طفل، وفي الحقيقة إنَّ إنجاب طفل إلى الحياة يعني حدوث تغيير كبير في حياة الأم، فقد تشعر الأم بالقلق بشأن رعايته؛ مما يجعلها تشعر بالتوتر خاصة إذا لم يسبق لها التعامل مع أطفال حديثي الولادة من قبل، فما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟ وما هي أهم الجوانب المتعلقة بها؟[١]




ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

اكتئاب ما بعد الولادة (بالإنجليزية: Postpartum depression) هو عبارة عن مجموعة من التغيرات التي تحدث للأمهات بعد الولادة، حيث تتضمن هذه التغيرات بحدوث تغيراتٍ عاطفية، وسلوكية، وجسدية على حدٍ سواء، وجميعها تصاحب مرحلة ما بعد الولادة،[٢] ونتيجةً لذلك ينبغي على المرأة التي تُعاني من اكتئاب ما بعد الولادة أن تعلم بأنّ هذا الاكتئاب ليس عيبًا في شخصيتها ولا ضعفًا، وإنما قد يكون في الغالب عبارة عن مخاوف وتعقيدات لمرحلة الولادة وما بعدها، والتي ولحسن الحظ من الممكن التعامل معها ومعالجتها كذلك في حال حدوثها.[٣]


ما مدى شيوع اكتئاب ما بعد الولادة عند النساء؟

وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، يعتبر اكتئاب ما بعد الولادة من المشاكل الشائعة لدى العديد من الأمهات، إذ تعاني امرأة واحدة من كلّ 9 أمهات جدد من اكتئاب ما بعد الولادة.[٤]


متى يبدأ اكتئاب ما بعد الولادة؟

في الواقع إن تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة لا يعتمد على طول الفترة الزمنية بين الولادة وبدء أعراضه فقط، بل يعتمد أيضاً على شدة الاكتئاب، ووفقًا للنسخة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيّة (DSM-5)، فإنّ اكتئاب ما بعد الولادة يعدّ شكل من أشكال الاكتئاب الشديد الذي من الممكن أن يبدأ في الأسابيع الأربعة الأولى لما بعد الولادة.[٢]


ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟

تختلف أعراض الاكتئاب الذي يرافق مرحلة ما بعد الولادة من امرأةٍ إلى أخرى، ولكن تتمثل أبرز العلامات الشائعة بما يأتي:[٥]

  • تقلبات شديدة في المزاج.
  • البكاء الدائم.
  • حدوث تغيرات في النوم، إذ قد تزيد ساعات النوم بشكلٍ مفرط.
  • لوم النفس دون وجود داعٍ أو مبرر لذلك.
  • الغضب والانفعال.
  • فقدان الشعور بالتعلق ومحبة الطفل الجديد.
  • الشعور باليأس، أو الحزن، أو الإرهاق.
  • صعوبة في القدرة على التركيز.
  • تغيرات في الشهية، إذ قد تزداد شهية المرأة للطعام بشكلٍ كبير أو قد تنخفض.
  • فقدان الرغبة تجاه القيام بالأنشطة أو الأمور التي كانت تسبب لها السعادة أو تشعرها بالمتعة قبل الحمل.
  • فقدان الرغبة في قضاء الوقت، أو الجلوس مع العائلة أو الأصدقاء.
  • سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة.
  • تراود أفكار بإيذاء المرأة لنفسها أو إيذاء طفلها، ويكون ذلك في بعض الحالات النادرة.


ما هي أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟

قد تلعب بعض الأمور الجسدية والعاطفية دورًا في حدوث اكتئاب ما بعد الولادة، ومن هذه الأسباب ما يأتي:

  • التغيرات الجسدية بعد الولادة: ويتضمن ذلك التغيرات الهرمونية؛ إذ يُمكن أن يُساهم الانخفاض الكبير في مستويات هرموني البروجسترون والإستروجين في الجسم في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة،[٣] إضافةً إلى انخفاض في مستويات هرمونات الغدة الدرقية بعد الولادة، فالغدة الدرقية تعمل على تنظيم كيفية استخدام الجسم للطاقة وتخزينه للطعام، لذا فمن الممكن أن يؤدي الانخفاض في مستويات هرمونات الغدة الدرقية إلى ظهور أعراض الاكتئاب.[٦]
  • العامل الجيني: تنتقل الجينات من الآباء للأبناء، حيث إنّ الجينات هي أجزاء من خلايا الجسم تعمل على تخزين التعليمات الخاصة بنمو الجسم وعمله، لذا فإن النساء اللواتي يمتلكن قريباً مُصابًا بالاكتئاب من أفراد أسرهنّ هنّ أكثر عرضة للإصابة به، وهذا ما يسمى بامتلاك تاريخ عائلي للاكتئاب.[٧]
  • التغيرات العاطفية: وهي مجموعة المشاعر التي تشعر بها المرأة بعد الولادة كشعورها اتجاه نفسها بأنها أقل جاذبية بعد الإنجاب، كذلك شعورها بفقدان السيطرة على حياتها، عدا عن مشاعر القلق التي تصيبها بشأن قدرتها على رعاية هذا المولود الجديد، وبشكلٍ عام قد تطرأ هذه التغيرات العاطفية نتيجةً للإرهاق الذي يحدث ما بعد الولادة إضافةً للحرمان من النوم.[٣]


أنواع اكتئاب ما بعد الولادة

تتضمن أنواع اكتئاب ما بعد الولادة على ما يلي:[٨]

  • الكآبة النفاسية: أو ما تُعرف بكآبة الأمومة (بالإنجليزية: Baby blues)، وهي عبارة عن نوبات طويلة ومتكررة من البكاء دون وجود سبب معين وواضح إلى جانب الشعور بالقلق والحزن، وإن هذه الكآبة عادةً ما تبدأ بالانحسار خلال أسبوعين دون الحاجة لعلاج، وكل ما تحتاجه المرأة عند إصابتها بهذا النوع هو الشعور بالطمأنينة، والأمان، والحصول على المساعدة في رعاية الطفل وتأدية الأعمال المنزلية.[٨]
  • اكتئاب ما بعد الولادة: وهي الحالة الأكثر خطورة من الكآبة، إذ تتراوح الأعراض بين الخفيفة إلى الشديدة، وقد تبدأ في غضون أيام من الولادة، وبشكلٍ تدريجي، وتستمر حتى بعد عام وتحتاج لعلاج نفسي أو أخذ علاجات دوائية،[٨] وبشكلٍ عام فهو يكون أكثر شدةً وأطول مدة مقارنةً بالكآبة النفاسية والتي تنتهي خلال أسبوعين.[٣]
  • ذهان ما بعد الولادة: رغم أن ذهان ما بعد الولادة يعتبر من الحالات النادرة نسبيًا، إلا أنه أحد أشكال الاكتئاب شديدة الخطورة ويتطلب رعاية طبية طارئة، إذ إنّه في حال لم تتم معالجة ذهان ما بعد الولادة فإن هذا قد يعرّض الأم لخطر متزايد للانتحار واحتمالية إيذاء الطفل، وعادةً ما تظهر الأعراض بشكلٍ مباشر بعد الولادة، وتكون شديدة وتستمر من بضعة أسابيع إلى عدة أشهر، وتتضمن الأعراض:[٨]
  • الانفعال الشديد.
  • الهلوسة.
  • فرط النشاط.
  • التحدث بسرعة.
  • الارتباك.
  • الشعور باليأس والعار.
  • الأرق.


كيف يمكن تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة؟

بدايةً ينبغي على المرأة تلقي العناية طبية إذا استمرت أعراض الاكتئاب لديها لمدة أسبوعين أو أكثر خلال عام واحد من الولادة، وعادةً ما يتم تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة من قِبل الطبيب من خلال طرح مجموعة من الأسئلة حول الأعراض والتاريخ الطبي للمرأة، كما قد يقوم بطلب مجموعة من اختبارات الدم، وذلك بهدف استبعاد الأسباب الأخرى التي تكمن وراء الأعراض.[٩]


كيف يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟

يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة بالرجوع إلى الطبيب المختص أو الأخصائي النفسي وذلك للتعامل مع الاكتئاب، فقد يصف الطبيب بعض الأدوية التي تساهم في الشعور بالتحسن، إلا أن هناك بعض من هذه الأدوية لها القليل من الآثار الجانبية كتأثير بعضها في حليب الثدي، لذا سيقوم الطبيب بدوره بالبحث على الخيارات الأكثر أمناً وفعالية تبعًا للحالة، وتتضمن الأدوية التي قد يصفها الطبيب ما يأتي:[٦][٩]

  • مضادات الاكتئاب: تُساعد هذه الأدوية على التحكم في الأعراض المرافقة للاكتئاب وتحسين الحالة المزاجية، ولكن عادةً ما يستغرق ظهور مفعولها من 6 إلى 8 أسابيع.
  • الدواء الهرموني: مثل: البريكسانولون (بالإنجليزية: Brexanolone)، إذ قد يساهم هذه الدواء في التخفيف من الاكتئاب عن طريق إعادة موازنة الهرمونات في الجسم.
  • الأدوية المضادة للذهان: وتُستخدم عادةً في حال حدوث الذهان بعد الولادة.
  • العلاج بهرمون الإستروجين البديل: وهو أحد الهرمونات المهمة المسؤولة عن تنظيم الدورة الشهرية والحمل، وعادةً ما تنخفض كمية الإستروجين في جسم المرأة بشكلٍ مفاجئ وسريع خلال الولادة، وبالتالي فإنه من الممكن إعطاؤها العلاج بهرمون الإستروجين البديل بما يؤدي إلى رفع مستويات هذا الهرمون، وقد يقترح الطبيب إعطاؤه على شكل لصقة يتم وضعها على الجلد، ولكن المقترحات التي سيقوم الطبيب بتزويدها للمرأة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في حال اعتماد المرأة على الرضاعة الطبيعية والخيارات الآمنة نحوها.[٧]
  • العلاج بواسطة الصدمات الكهربائية: حيث يمكن استخدام هذه الطريقة في الحالات الشديدة جدًا لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة.[٦]


كيفية التعامل مع اكتئاب ما بعد الولادة والوقاية منه

يمكن للمرأة اتخاذ بعض الخطوات والاستعانة ببعض النصائح وذلك للمساعدة في الوقاية من حدوث الاكتئاب؛ سواء أكان البدء بالقيام بها خلال فترة الحمل أم بعدها، وتتضمن هذه النصائح والخطوات ما يأتي:[٩]

  • تناول وجبات صغيرة بشكلٍ منتظم للمحافظة على مستويات السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية.
  • الحصول على القدر الكافي من النوم بحيث لا تقل ساعات النوم اليومية عن 7-8 ساعات.
  • الالتزام بمواعيد زيارة الطبيب الدورية ومتابعة الحالة الصحية.
  • طلب المساعدة من الآخرين في حال التعرّض لتحديات عاطفية أو للمساعدة العملية في بعض المواقف التي تتطلب ذلك.
  • الحصول على القدر الكافي من الراحة بدلاً من القيام بالأعمال المنزلية عندما ينام المولود الجديد.
  • التخطيط المسبق لفترة ما بعد الولادة خلال الحمل وذلك لتقليل التوتر بعد الولادة.
  • تجنب التغييرات الكبيرة؛ كالانتقال من المنزل على سبيل المثال بعد الولادة بفترة قصيرة.
  • البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، خاصةً في حال بقاء المرأة وحدها في المنزل.
  • اتباع نمط وأسلوب حياة صحي؛ بما في ذلك ممارسة الرياضة والنشاطات البدنية.[٣]


دواعي زيارة الطبيب

يجب على المرأة التي أنجبت حديثًا طلب المساعدة الطبية في الحالات التالية:[٨]

  • استمرار ظهور أعراض الاكتئاب لأكثر من أسبوعين.
  • الشعور بالقلق الشديد، والخوف، والذعر، طوال اليوم تقريبًا.
  • توارد أفكار لديها بإيذاء نفسها أو طفلها.
  • عدم قدرتها على العمل بالشكل الطبيعي والمعتاد، إذ قد لا تستطيع التعامل مع المواقف اليومية.


المراجع

  1. "Is It Postpartum Depression or ‘Baby Blues’?", WebMD, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  2. ^ أ ب "Postpartum Depression", WebMD, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  3. ^ أ ب ت ث ج "Postpartum depression", mayo clinic, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  4. "Trends in Postpartum Depressive Symptoms — 27 States, 2004, 2008, and 2012", CDC, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  5. "Postpartum Depression", kids health, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  6. ^ أ ب ت "Postpartum depression", womens health, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  7. ^ أ ب "POSTPARTUM DEPRESSION", march of dimes, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  8. ^ أ ب ت ث ج "Postpartum Depression", cleveland clinic, Retrieved 10/6/2021. Edited.
  9. ^ أ ب ت "What to know about postpartum depression", medical news today, Retrieved 10/6/2021. Edited.